#شعر | #أسامة_تاج_السر : سيرة ذاتية لباب صغير

فن وثقافة

الآن 1668 مشاهدات 0


أقولُ لها: يا ريحُ…
تضحكُ شعلةً
وتعدو على الذكرى
وتستوحشُ النِّدا"

الذكرى - الجمرة المنبعثة من رماد النسيان ،لايحجبها ضجيج الواقع ولايغيبها امتداد الزمان.

قصيدة رائعة للشاعر السوداني القدير أسامة تاج السر تجسد طعنات الألم ونار الغضب مما يحدث بين أبناء الوطن الواحد من حرب دامية يوقدها طمع المتهورين ويحترق بنارها  الوطن المنسيّ والمواطنون الأبرياء، رسم الشاعر  من الباب العتيق رمزية إيحائية  تشي بذكريات
ماكان من توحد ووئام وماآل إليه الواقع من تمزق واحتدام:

أنا بابُ هذا الوقتِ،
لن ترحلوا سُدى
سأحفظُ - رغم البعدِ - في خاطري اليدا
.
.
أعيدوا عليَّ الطَرْقَ؛
ثمَّ أحبَّةٌ ورائي من الأمسِ القديم،
قلوبهم مُفصَّدةٌ بالوجدِ،
لم يُدركوا الغدا
.
.
كأنَّ انهمالَ الليلِ في حدقاتهم،
وقد سالتِ الآفاقُ،
وعدٌ مؤجَّلٌ يُحيطُ بهم
والحُلمُ ما زال موعدا!!
.
.
تَصاهلُ هذي الريحُ،
بنتًا يتيمةً
تُربّي على الأبوابِ تعويذةَ الصدى
.
.
أقولُ لها: يا ريحُ…
تضحكُ شعلةً
وتعدو على الذكرى
وتستوحشُ النِّدا
.
.
أنا البابُ،
دوري كانَ أن أحفظَ البيوتَ من نظرةِ الأغرابِ،
إنْ خاطرُ الليلِ المراوغِ عربدا
.
.
سأروي لكم رغم الغياباتِ سيرتي
أصيخوا؛
لأسردا:
.
.
لقد كنا أبناءَ شجرةٍ كبيرةٍ مُعمَّرةٍ
تعيش بغابات إفريقيا الاستوائية
.
.
كنا ضلوعها
وأكفَّها التي تحتمي بها من الريحِ،
وترفعها للدعاء
.
.
كنا نخاف لسعة الشمسِ التي تشبه النبيذ العتيق،
حين يمرُّ بالألسنِ البكر
.
.
كنا نحبُّ المطر
كرعشة بنتٍ مراهقةٍ
تنام لأول مرّةٍ في حضن حبيبها
.
.
يوم أن أدركتْ أمُّنا
أنّها ستهوي،
وأنّنا سنفترق
.
.
قالت لنا:
فليتمنَّ كلُّ واحدٍ منكم أمنيةً
تجعله في منأى عن مواقد اللهبِ،
وفلوات الضياع
.
.
قال أخي في خشوع نبيٍّ يؤدي صلاته:
أمنيتي أن أكون نايًا
لا ينفخ فيه إلا الراعي
حين يناجي أغنامه!!
.
.
قال أخي الأوسط،
وكان مهووسًا بلغة الغيب التي يمحو نصفها المطر:
أمنيتي أن أصير كتابًا
لفيلسوفٍ
لا يحبُّ أيِّ أنثى
كما يحبُّ كتابًا مُهدى من أعزِّ الأصدقاء!!
.
.
كانت أمنيتي الوحيدة
أن أكون بابًا،
أطمئنُ على أصدقائي عند دخولهم،
وعند خروجهم

أشمُّ أناملهم وهي تحكُّ ظهري
فأعرفُ إن كانت مرَّت على نهدٍ يانعٍ،
أم مرّت على فراغٍ هزيل!!
.
.
واليومَ هأنذا أنظر إلى أخي منزوع الغلافِ؛
لأنَّ عصابةً دخلت البيتَ
ونهبت كل شيءٍ ثمينٍ
إلاه،
فاللصُّ لا يعرفُ ما قيمةُ كتاب!!
.
.
واليوم هأنذا أسمع حشرجة أخي،
بعد أن مات الراعي،
تعبث به شفاه الثعابين،
فيأتيني صوتُه كأنينِ مصدورٍ،
ينهشُ السلُّ رئتيه!!
.
.
واليوم هأنذا
أقف وحيدًا أعزلَ،
بعد أن هوى الحائط،
وبعد أن نسيني آخر خارجٍ من الدار دون إغلاقٍ،
تعبثُ بي الريحُ كما كانت تفعلُ دائمًا ونحن صغارٌ في الغابةِ!!
.
.
لماذا يا أمي،
علّقتنا في أمنياتنا القاتلة!!
.
.
لماذا أيُّها الإنسانُ البائسُ،
أما كفاك حربًا!!
.
.
أنسيتَ ما علّمك الغرابُ!!
.
.
فها هي الجثث تملأ الطرقاتِ
وتفوحُ كأنّها الجحيم!!
.
.
إنّها سيرتي المؤلمة،
أنا بابٌ صغيرٌ،
في بيتٍ صغيرٍ،
في مدينة قاحلةٍ،
اسمُها الخرطوم!!


14/ 8/ 2024م

تعليقات

اكتب تعليقك